٣ دقائق

يعيش معظمنا حياة روتينية، حياة خالية من الإثارة. ويتكرر هذا النمط من النشاط كل يوم تقريبًا. ونحن نشغل وجودنا بمَهمات دنيوية منتظرين كل ما يأتي بعد ذلك على جدول أعمالنا. ولعل كثيرين يجرَّبون بالاعتقاد بأن حياتهم على هذا المنوال مملّ، رغم أن ما يفعلونه قد يكون مهمًّا جدًّا. ويمكن أن يولّد هذا الاعتقاد في الغالب توقًا إلى شيء أعظم – إلى تحقيق إمكاناتنا الكامنة والإحساس بالاكتفاء. لكن كيف يمكننا أن نأخذ ما هو متوسط وعادي لتحقيق هذا الإحساس بالاكتفاء؟ وهل هذا ممكن أصلًا؟ فالأعمال البيتية وتسديد الفواتير، والقيام بمهمات صغيرة إلخ لا تشعرنا بالأهمية. فلا تعدو هذه التفاصيل اليومية كونها روتين عمل. وكثيرًا ما نسمع ونقرأ عن سلبيات الروتين التي تشمل غياب التجديد والإبداع وتسلب صورة السعادة، وعن الذين “يكسرون” الروتين في تَطَلُّعهم إلى بعض الإثارة خارج هذا الروتين الذي ألِفْوهُ بشكل زائد.

لقد اعتقد كثيرون أن النجاح المادي والمنزلة الاجتماعية والثروة ضمان أكيد في تحقيق الاكتفاء بشكل كامل. فجرّبوا ذلك. فسعوا إلى تلك الأمور، لكنهم لم يختبروا الاكتفاء الكامل، فخابت آمالهم. لقد وعدت هذه الأمور بالكثير، إلا أنها لم تحقق إلا القليل. فماذا لو استبدلناها بلحظات البساطة والقناعة؟ هل ستتغير الأمور؟ لقد هرب أوائل المؤمنين بالمسيح من ترف روما ليحققوا هذه الفكرة عينها من خلال أسلوب الحياة البسيط في الأديرة. وفي أسلوب حياة الأديرة، كان كل يوم يقدم مهمات روتينية مكررة بسيطة، إضافة إلى إيقاع منتظم للصلاة والعبادة. وكان أحد الرهبان، وهو الأخ لورنس، معروفًا بأنه “بطل في ما هو عادي”. لم يكن يسعى إلى تحقيق إنجازات مذهلة ليحس بالإثارة والفرح والاكتفاء. وقد وجد إمكاناته في تنمية وعي عميق بالله في مَهمات الحياة العادية، معيدًا بشكل جذري تعريف ما يعنيه وصول المرء إلى إمكاناته. لم ينصب تركيزه على المهمات لذاتها، لأنه لا قيمة لها في حد ذاتها. بل ركز على كل مَهمّة بصفتها مَهمَّة لله، وأنها تحمل بصماته ورسالته إلى الآخرين. إنها تعبّر عن محبة الله وصلاحه للذين يستفيدون من هذه المهمة. وكان الأخ لورنس يفرح لأن الله يقدم محبته وصلاحه للآخرين من خلال المهمات التي كان يقوم بها.

أليس جميلًا أن تحس بأنك وسيط نعمة الله في ما تقوم به! ألا يغير هذا من نظرتك إلى ما تفعله، مهما بدا بسيطًا أو حتى تافهًا في نظر الآخرين؟ ألا تصبح هذه عندئذٍ مهمات استثنائية؟ لقد دفعت هذه النظرة لورنس إلى العمل بأمانة في القيام بمهماته. فحقق بذلك إمكاناته بالتركيز على تلك الأمانة. فكتب: “نادرًا ما تشعرنا الأمانة بالبطولة. فهي تشعرنا بشكل أكثر بالحضور والصمود.” ولعل تعلُّم الأمانة الثانية هو ما ينتج كلًا من تحقيق الإمكانية وحضور الله في وسط روتيننا الممل. ولا علاقة لهذا بتحقيق الإمكانات بالعظمة. فالبطولة هي في ما هو عادي. إذ تأتي الكثير من أعظم بركاتنا من أعمال التكريس الأمينة، وهي تتم في الغالب بشكل روتيني وبطولي في حياتنا اليومية العادية. فابذل جهدك اليوم وكل يوم في أن تحيا أكثر اتحادًا مع الله في أنشطتك العادية.

فارس أبو فرحة